موضوع: لا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدًا الأحد يونيو 13, 2010 4:01 pm
أردت ان اتكلم عن الغناء والموسيقى فهذا الأمر قد عمَّت به البلوى، وصار لهما معاهد متخصصة لتخريج الموسيقيين، أضف إلى ذلك ما يسمونهم بالمطربين والمطربات، فهؤلاء جميعا ينظر إليهم المجتمع على أنهم ثروة قومية يجب الحفاظ عليهم ورعايتهم، حتى إن وسائل الإعلام المختلفة تُفرد لهم مساحات هائلة للتنويه عن أخبارهم وسيرتهم لمن أراد الحياة الدنيا، وتتحفنا بمناسبة وبغير مناسبة بالحديث عنهم وعن فنهم وما قدموه لوطنهم وأمتهم، وأطلقوا عليهم ألقابًا لا ندري لها تفسيرًا، ولا عجب إن عَظُم الخطب، وظن البعض أن فن الغناء والموسيقى يسمو بالنفس البشرية إلى آفاق عالية من الرقي والتطور لأنهما يعبِّران عن وجدان الأمة ومن أسباب نهضتها !! ومجمل القول إن موضوع الغناء والموسيقى لابد من معالجته بعدما شاع وذاع وابتليت به الأمة، حتى إن الموسيقى والغناء جُعلت في كل شيء، في الساعات والأجراس ولعب الأطفال والهواتف، وحتى نشرات الأخبار تبدأ بمقدمة موسيقية وتنتهي بها، وبعض قنوات جهاز التلفاز استبدلت الأذان الشرعي بلوحة تبين أنوقت الأذان قد حان مع فقرة موسيقية !! ومع التعتيم الإعلامي وفساده وتلبيس خطباء الفتنة بأقلامهم، وتعظيمهم أهل الغناء والموسيقى، حتى صاروا قممًا يشار إليهم بالبنان، بينما أهل الحق وعلماء الأمة العاملون يصفونهم بالتطرف والغلو وإفساد الشباب عن سماحة الدين ويسره. والله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته وأبان لهم عاقبة الطاعة وأوضح لهم سبيلها، وحذرهم من المعصية ومآل أمرها، وقد علم إبليس أن مدار الأمر على القلب، فإن صح واستقام استقامت الأعضاء على طاعة ربها، وإن اعوج وزاغ زاغت الأعضاء إلى طريق الردى، فالقلب ملك، والأعضاء جنوده، فإن طاب الملك طابت جنوده، وإن خبث الملك خبثت جنوده. ولكن لا مفرَّ من بيان الحق وإظهاره، ليموت من مات عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة، والله تعالى هو الهادي إلى الصراط المستقيم وهو القائل جل وعلا:
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون
أدلة تحريم الغناء والموسيقى : إليك أخي القارئ بعض الأدلة على تحريم الغناء والموسيقى، من القرآن والسنة الصحيحة وآثار السلف الصالح وأقوال العلماء الثقات. والله المستعان .
الأدلة من القرآن الكريم ؛ الدليل الأول : قال تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (6) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأنفي أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم {لقمان: 6 7}.
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (3-426): "إنها تبين حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء، بالألحان وآلات الطرب". ثم ذكر أن ابن مسعود رضي الله عنه عندما سئل عن هذه الآية قال: "هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو"، يرددها ثلاث مرات.
وكذلك قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، وقال الحسن البصري: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير..." انتهى.
الدليل الثاني: قال تعالى: واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك {الإسراء:64}.
قال الإمام القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: واستفزز- أي : استذل واستخف، وأصله القطع، ومنه تفزَّز الثوب إذا انقطع. والمعنى: استذله بقطعك إياه عن الخوف، أي استخفَّه. وقعد مستفزا أي غير مطمئن "واستفزز" أمر تعجيز، أي أنت لا تقدر على إضلال أحد، وليس لك على أحد سلطان فافعل ما شئت. بصوتك وصوته: كل داع يدعو إلى معصية الله تعالى؛ عن ابن عباس ومجاهد: الغناء والمزامير والله .
الدليل الثالث: قال تعالى: أفمن هذا الحديث تعجبون (59) وتضحكون ولا تبكون (60) وأنتم سامدون{النجم: 59- 61}. جاء في تفسير ابن كثير (4-206): "قال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "السمود" هو الغناء بلغة حمير. يقال: أسْمِد لنا أي غَنِّ لنا" وكذلك قال القرطبي في تفسيره.
أدلة التحريم من السنة النبوية الدليل الأول: ما أخرجه البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير والخمر والمعازف..."
وهذا الحديث يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في هذه الأمة أقوام يستحلون الفروج، والحرير والخمر، ويستحلون المعازف، وهي كما فسرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث: آلات الملاهي وفي الحديث تحذير شديد لمن يستحل هذه الأشياء.
الدليل الثاني: روى لترمذي عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين؛ صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة" إسناده حسن، انظر صحيح سنن الترمذي للألباني (804)
الدليل الثالث: ماأخرجه ابن ماجة والطبراني عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ" قيل يا رسول الله متى؟. قال: "إذا ظهرت المعازف والقينات واستُحلت الخمر" {أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن (4060)} و{الطبري (5810)} وصححه الألباني في الصحيحة (1787)}.
والمعازف هي: آلات اللهو المحرمة، والقينات: جمع قينة وهي المغنية، وفي هذه الأدلة الثلاث الكفاية، وكلها صحيحة الإسناد، والمسلم الحق يكفيه دليل واحد ليعود إلى رشده، ويقلع عن السماع الشيطاني والله المستعان.
أدلة التحريم من أقوال الصحابة كما هو معلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وتابعي التابعين هم خير قرون الإسلام إلى أن تقوم الساعة، كما قال صلى الله عليه وسلم ،فماذا كان قولهم في الغناء والموسيقى؟. هذا ما سوف نجيب عليه في السطورالتالية ؛
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".
وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ؛ أنه مر بجارية صغيرة تغني فقال: "لو ترك الشيطان أحدًا لترك هذه".
وسأل رجلٌ ابنَ عباس رضي الله عنهما : ما تقول في الغناء أَحَلالٌ هو أم حرام؟ قال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله . فقال: أفحلال هو؟ قال: ولا أقول ذلك. ثم قال ابن عباس: أرأيت الحق والباطل، إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ قال الرجل: يكون مع الباطل. قال ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك!! انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (ج1 ص207)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: اعلم أنه لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة الأولى، ولا بالشام ولا اليمن ولا بمصر والمغرب والعراق وخراسان، من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ولا بدف ولا بكف ولا بقضيب، وإنما هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه.
وعن ضرر الغناء يقول رحمه الله: ومن كان له خبرة بحقائق الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها، عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلب منفعة ولا مصلحة. إلا وفي ضمن ذلك من الضلال والمفسدة ما هو أعظم منه، فهو للروح كالخمر للجسد، يفعل في النفوس أعظم ما تفعله حمى الكؤوس، ولهذا يورث أصحابه سكرًا أعظم من سكر الخمر، فيجدون لذة كما يجد شارب الخمر. انتهى.
فاعلم يرحمك الله، أن الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدًا، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ويأمر بالعفة والفضيلة، والغناء يأمر بذلك فيهيج النفوس إلى الهوى ويحركها إلى كل قبيح، وإنك لا تكاد ترى أحدًا مال إلى الغناء إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، لو استمع لآيات من القرآن ثقلت عليه ومرت عليه كأنها الجبال ورأى فيها الثقل والملال، ولو استمع للغناء للساعات الطوال طابت له نفسه وزينها له الشيطان، قال تعالى: وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا {لقمان: 7}.
قال ابن كثير رحمه الله: أي هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولى عنها وأعرض وأدبر.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1-139): ولا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة آلات الطرب والموسيقى فإنهم- والله- عن تقليد يفتون، ولهوى الناس اليوم ينصرون، ومن يقلدون؟ إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب والملاهي، لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده ، وقد عرفت أنه صحيح قطعًا ، وليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة ، مع أنهم أفقه منه وأعلم وأكثر عددًا وأقوى حجة.
لو كان الحامل لهم (أي هؤلاء المفتون المشهورون) على ذلك إنما هو التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل، ومعنى التحقيق العلمي كما لا يخفى أن يتتبعوا الأحاديث كلها الواردة في هذا الباب ويدرسوا طرقها ورجالها ثم يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف، ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من ناحية دلالتها وفقهها وعامها وخاصها، وذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم أصول الحديث وأصول الفقه، لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم ولكانوا مأجورين، ولكنهم والله - لا يصنعون شيئًا من ذلك، ولكنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها، ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة زعموا، دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب والسنة، وكم شرعوا للناس - بهذه الطريقة - أمورًا باسم الشريعة الإسلامية، يبرأ الإسلام منها - وإلى الله المشتكى .
فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك وسنة نبيك ولا تقل قال فلان فإن الحق لا يعرف بالرجال بل اعرف الحق تعرف الرجال.وقال الألباني أيضًا:
( ردًا على قول من قال ولا بأس بأن يصحب الغناء الموسيقى غير المثيرة). قال : القيد نظري غير عملي ولا يمكن ضبطه لأن ما يثيرالغريزة يختلف باختلاف الأمزجة ذكورة وأنوثة، شيخوخة وفتوة، وحرارة وبرودة كما لا يخفى على اللبيب. اهـ تحريم الطرب ص7.
قال الضحاك: "الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب"
قال ابن القيم رحمه الله : " كم من حر صار بالغناء عبدًا، وكم من حرة صارت بالغناء بغايا "
وقال أيضًا : " سكر الغناء اشد من سكر الخمر، لأن سكر الخمر إفاقة صاحبه سريعة ، وسكر السماع لا يستفيق صاحبه إلا في عسكر الهالكين" .
وقال ابن القيم: "وسر المسألة" : 1- إنه قرآن الشيطان، فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدًا. 2- إن اساس النفاق : أن يخالف الظاهر الباطن وصاحب الغناء بين أمرين إما أن يتهتك فيكون فاجرًا أو يظهر النسك فيكون منافقًا. 3- إن الايمان قول وعمل قول بالحق وعمل بالطاعة وهذا يَنبت علي الذكر وتلاوة القران والنفاق قول الباطل وعمل البغي وهذا يَنبت علي الغناء 4 - من علامات النفاق قلة ذكر الله والكسل عند القيام إلي الصلاة ونقر الصلاة وقل أن تجد مفتونًا بالغناء إلا وهذا وصفه. 5 -إن النفاق مؤسس علي الكذب والغناء من أكذب الشعر فإنه يحسن القبيح ويزينه ويأمر به ويقبح الحسن ويزهد فيه وذلك عين النفاق .
فالزم رحمني الله وإياك طريق الهدى والطاعة، واعلم أن من فارق سبيل المؤمنين فقد ألزم نفسه الخسارة وحقت عليه الضلالة ، فكن على درب سلفك الصالح الذين شهدالله لهم بالرضى سائرًا ولا تبغ غيرهم- أئمة وأعلامًا للهدى . -: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا {النساء: 115}.