بسم الله الرحمن الرحيم
إن اللسان نعمة
كبيرة من نعم الله على العبد، ولقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه
الكريم ممتنًا على عباده بقوله سبحانه: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ
*وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) [البلد: 8-9]، فدل على أهمية وعِظم هذه النعمة
من الله عز وجل، ولكن الخطر يكمن كاملاً في إساءة استخدام هذه النعمة
لغير
ما خلقت وسخرت له.
اجعل لسانك مفتاحًا للجنة
قال عبد الله بن مسعود: (والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض من شيء أحوج
إلى طول سجن من لسان.)
قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ
الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِيمٌ) [سورة الحجرات 12] .
عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«المسلمُ مَن سلم المسلمون من لسانه ويده» [رواه مسلم]
احبتي في الله
قفو وتأملو هذا العضو الصغير الذي هو أكثر عضو يقع عليه الآلام والعذاب
والعقاب أكثر من باقي الجوارح
«وهل يكبّ الناس على وجوههم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم» [صحيح ابن ماجه
3224]
سؤال أود طرحه عليك:
كم مرة أمسكت لسانك عن الغيبة والنميمة باليوم؟ وإن لم تمسكي لسانك
عنهما، هل أدركت أهمية تلك الأسماء؟ اللسان.. النار.. الجنة؟؟
لنتعرف على تلك الآفات ونطهر جوارحنا منها:
1- الغيبة:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما
الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: ذكرك أخاك بما يكره, قيل: أفرأيت
إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن
فيه فقد بهتّه» [صحيح مسلم ( 2589 )]
أمثلة على الغيبة التي يقع فيها حتى من الملتزمين والمتدينين إلا من رحم
الله: عند ذكر المغتابة تقول "نسأل الله العافية" أو "الحمد لله الذي
عافانا" أو "نعوذ بالله من الخذلان" أو "مسكينة الله يهديها" فهي بذلك
تجمع بين ذم المذكورة ومدح نفسها.
عقوبة الغيبة
التعرض لسخط الله تعالى ومقتها لفعل ما نهاها الله عنه، وحسنات المغتابة
تنتقل إلى من اغتابتها وإن لم تكن لها حسنات نقلت إليها من سيئاتها نسأل
الله العافية.
كفارة الغيبة
- التوبة والندم على التفريط في حق الله
- إذا كانت الغيبة قد بلغت التي اغتابت فعليها أن تطلب من التي اغتابتها
أن تسامحها وتظهر لها الندم، وإذا كانت لم تبلغها فعليها الاستغفار لها
والإكثار من الدعاء لها وذكر محاسنها أمام الذين اغتابتها أمامهم، وكذا
لو
علمت أنها لو أخبرتها ستزيد العداوة، فإنها تكتفي بالدعاء والثناء عليها
والاستغفار لها.
2- النميمة
يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
هي الإفساد بين الناس بنقل كلام بعضهم في بعض، يأتي الإنسان إلى الشخص
فيقول: قال فيك فلان كذا وكذا حتى يفسد الناس ويلقي العداوة بينهم
والبغضاء وربما كان كاذبًا في ذلك فيجمع بين البهتان والنميمة، وإن
الواجب
على من نقل إليه أحد كلام أحد فيه أن ينكر عليه وينهاه عن ذلك و يحذر منه
و ليحذر هو بنفسه من هذا الذي نقل كلام الناس إليه فإن من نقل كلام الناس
إليك نقل إليهم كلامك وربما ينقل عنك ما لم تتكلم به، يقول الله عز وجل:
(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) [القلم 10] وقال النبي صلى الله
عليه و سلم: «لا يدخل الجنة نمّام» [رواه البخاري] ومرّ النبي
صلى الله عليه وسلم بقبرين يعذب أصحابهما وقال إن أحدهما لا يستنزه من
البول وإن الآخر كان يمشي بالنميمة فاحذروا أيها المسلمون الغيبة
والنميمة
فإن بهما فساد الدين والدنيا وتفكك المجتمع وإلقاء العداوة والبغضاء
وحلول
النقم والبلاء وهما بضاعة كل بطّال وإضاعة الوقت بالقيل والقال.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش
والظلم،
ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول؟
ولا يدري هؤلاء أن كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم، وتوبق دنياهم
وأخراهم.
إذن نحن أمام أمر خطير لو تفكرنا في عواقبه لعملنا له ألف حساب على ما
نتفوه به، ووفرنا على أنفسنا أوزارًا وآثاما نحن في
غنـــــــــــــــــــــــى عنها..
علاج عجيب!!
قال "عبد الله بن وهب" رحمه الله "نذرتُ أنّي كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم
يومًا!، فكنت أغتاب وأصوم! فنويتُ أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق
بدرهمٍ!، فمن حب الدراهم تركتُ الغيبة!"
3- الكذب
فإن الكذب من مساوئ الأخلاق، وبالتحذير منه جاءت الشرائع، وعليه اتفقت
الفطر، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة.
وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة، وعلى تحريمه وقع
الإجماع، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « آية المنافق ثلاث
إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان » [رواه البخاري]
وأشنع الكذب: الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الكذب،
وصاحبه معرّض للوعيد الشديد، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير فاعله إن
كان متعمّدًا. قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ
الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا
يُفْلِحُونَ) [النحل:116]
عاقبة الكذب
شق شدق الكاذب إلى قفاه عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال « كان
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد
منكم من رؤيا قال فيقصّ عليه من شاء اللّه أن يقصّ وإنّه قال ذات غداة
إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي انطلق ..
فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد
وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه
إلى قفاه قال وربّما قال أبو رجاء فيشقّ قال ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر
فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ
ذلك
الجانب كما كان ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى قال قلت
سبحان اللّه ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق ( ثم قال في تفسير الملكين
للمشاهد التي رآها ) : وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه
ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة
تبلغ الآفاق .. » [رواه البخاري ( 5745 )]
ومن آفات اللسان:
4- اللعن
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا
الفاحش ولا البذيء» [صحيح الجامع ( 5381 )]
بعد ما تعرفنا عن بعض آفات اللسان أود طرح هذا السؤال: هل تحبين أن تأتي
يوم القيامة وأنتِ مفلسة؟
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المُفلس؟
قالوا: المُفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي
يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام و زكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل
مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته،
فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح
في النار.» [صجيح مسلم (2581)]
العلاج من هذه الآفات:
- تجديد النية بالبعد عن آفات اللسان.
- إن حصل ووقعنا بالآفة فلنبادر بالاستغفار.. لماذا؟ حتى ننظف صحيفتنا.
- اجعلي لنفسكِ قاعدة ثبتيها بأن الكذب، والغيبة، والنميمة، الخ..
مرفوضة.. مرفوضة.. مرفوضة..
- تذكير بعضنا البعض بالمواقف الإيجابية التي مررتِ بها عند مسك لسانك
لحظة تغلبك على الشيطان.
- تذكري التجارب التي أفادتك جدا في مراقبة لسانك.
- تذكري أنك تصارعين نفسك اللوامة مع الشيطان وأن هذا يحتاج منك مجاهدة
وصب فلا تيأسي بتربية نفسك.
- اسألي نفسك هل أنت جبانة؟ فإن كانت لا فلما إذن الجبن والكلام عن الناس
من ورائهم؟
- عودي لسانك على الكلام اللين الهين وذكر الرحمن.
- ذكري نفسك بالآية (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [سورة ق آية 18]
- ابتعدي عن التسويف في التوبة من هذه الآفات
نصيحة:
- إذا كنتِ في مجلس واغتابت إحداهن أختا غائبة عنكن، فماذا تفعلين؟
* يجب لمن سمعت هذه الغيبة أن ترد عن عرض أختها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه
النار يوم القيامة )) صححه الألباني
*فإن لم تستطيعي فعليك مفارقة المجلس لقوله تعالى (وَإِذَا سَمِعُوا
اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص : 55]
وأخيرًا لتعلمي حبيبتي أنه لا تدخل الجنة نمامة ولا تدخل من كان في قلبها
مثقال ذرة من كِبر الجنان. فبادري بالاستغفار وتبديل السيئات حسنات.
اللهم اهدنا وأعنّا على أنفسنا.. أسأل الله سبحانه بكل اسم له ما علمنا
منها وما لا نعلم أن يطهر ألسنتنا وجوارحنا من آفات اللسان جميعها.