بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت لكم
فن
الذكر والدعاء
عند خاتم الأنبياء
الشيخ محمد الغزالي
دار
الشروق
================
شغفت بسير العباد الصالحين ،
وحاولت أن أقبس منها شعاعا أستضيء به
كنت بقلبي مع موسى في مدين ، وهو
يحس لذع الوحشة و الحاجة ويقول : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )
سورة القصص 24
و كنت مع عيسى و هو يواجه مساءلة دقيقة و يدفع عن
نفسه دعوى الألوهية : ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي
وربكم و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم و
أنت على كل شيء شهيد) سورة المائدة
و كنت مع إبراهيم و هو بوادي مكة
المجدب يسلم ابنه للقدر المرهوب ، ويسأل الله الأنيس لأهله : ( ربنا إني
أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل
أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) سورة
إبراهيم 37
غير أني انبهرت وتاهت مني نفسي ، و أنا بين يدي النبي
الخاتم محمد بن عبد الله ، وهو يدعو ويدعو ، لقد شعرت بأني أمام فن في
الدعاء ذاهب في الطول والعرض لم يؤثر مثله عن المصطفين الأخيار على امتداد
الأدهار
و لست في مقام مفاضلة بين أحد من النبيين ، إنها حقيقة
علمية رأيت إثباتها في صفحات قلائل ، مشفوعة بالدلائل التي تزدحم حولها
وقد
نقول : أعلى جبل في الأرض جبل كذا في الهند ! وما نقصد النيل من البال
الأخرى ، إنه ذكر حقيقة
قد نقول : أن الشمس أكبر من القمر سبعين ألف
ألف مرة ، ليكن ، ذاك تقرير حقيقة
و في هذا الكتاب سياحة محدودة في
جانب شريف من جوانب السيرة ، جلنب الذكر و الدعاء
ما فيه من توفيق
هو محض الفضل الأعلى ، وما قد أخطيء فيه هو رشح نفسي الأمارة بالسوء
ورجائي
أن يقبل ربي هذه الكلمات في ميزان الحسنات ، كما أرجوه – تبارك اسمه – أن
يقبل صلواتي على النبي العربي المحمد ، و أن يسعدنا جميعا بشفاعته
كيف
عرفنا محمد بالله ؟
شاء ربي أن يلهمني ترديد كلمات تنفس عما بي ،
فإذا بالكلمات المعبرة في حديث رواه علي بن أبي طالب يصف صلاة النبي الكريم
جاء فيه : ( .. و إذا ركع يقول في ركوعه : اللهم لك ركعت و بك آمنت و لك
أسلمت ، خشع لك سمعي و بصري و مخي و عظمي و عصبي ، و إذا رفع رأسه من
الركوع يقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ملء السماوات و الأرض
وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ، و إذا سجد يقول : اللهم لك سجدت و
بك آمنت و لك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه و صوره وشق فيه سمعه و بصره
تبارك الله أحسن الخالقين ) رواه أحمد ومسلم و أبو داود والترمذي
في هذه
المناجاة ترى الألوهية الكاملة والعبودية الكاملة
بين يدي بديع
السماوات و الأرض يجثو عابد ملهم ، فيهمس في ركوعه و سجوده بكلمات تصور ما
ينبغي أن ينطق به كل فم تحية لذي الأسماء الحسنى
إن المسلم الأول –
وهذا ترتيب محمد بين النبيين و الصديقيين و الشهداء والصالحين – له فن في
الذكر و الشكر والإنابة و الدعاء لم يحفظ مثله لبشر ، لقد كان محمد – صلى
الله عليه وسلم – عامر القلب بربه ، عميق الحس بعظمته ، وكان ذلك أساس
علاقته بالعباد ورب العباد
محمد الغزالي