بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة قرأت لكم
التصوير
الفني في القرآن
سيد قطب
************************
لقد
وجدت القرآن
يقول سيد قطب في مقدمة كتابه : (لهذا الكتاب في
نفسي قصة.و لقد كان من حقي أن احتفظ بهذه القصة لنفسي ، ما ظل هذا الكتاب
خاطرا في ضميري ، أما و قد أخذ طريقه إلى المطبعة ، فإن قصته لم تعد ملكا
لي ، ولا خاصة بي .
لقد قرأت القرآن و أنا طفل صغير ، لا ترقى
مداركي إلى آفاق معانيه ، ولا يحيط فهمي بجليل أغراضه ، ولكنني كنت أجد في
نفسي منه شيئا ، لقد كان خيالي الساذج الصغير ،يجسم لي بعض الصور من خلال
تعبير القرآن ، و إنها لصور ساذجة ، ولكننها كانت تشوق نفسي و تلذ حسي ،
فأظل فترة غير قصيرة أتملاها
، و أنا فرح بها ، ولها نشيط .
من
الصور الساذجة التي كانت ترتسم في خيالي إذ ذاك صورة كانت تتمثل لي كلما
قرأت هذه الآية : ( و من الناس من يعبد الله على حرف ، فإن أصابه خير اطمأن
به ، و أن أصابته فتنة انقلب على وجهه ، خسر الدنيا والآخرة ) و لا يضحك
أحد ، حينما أطلعه على هذه الصورة في خيالي : لقد كان يشخص في مخيلتي رجل
قائم على حافة مكان مرتفع : مصطبة - فقد كنت في القرية - أو قمة تل ضيقة -
فقد رأيت التل المجاور للوادي - و هو قائم يصلي ، ولكنه لا يملك موقفه ،
فهو يتأرجح في كل حركة ، ويهم بالسقوط و أنا بإزائه ، أتتبع حركاته ، في
لذة و شغف عجيبين!
ومن تلك الصور الساذجة صورة كانت تتمثل لي
كلما قرأت هذه الآية
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ، فأتبعه الشيطان ، فكان
من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ،
فمثله كمثل الكلب : إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ).
لم
أكن أدرك من معاني هذه الآية شيئا ولا من مراميها ، ولكن صورة كانت تشخص في
مخيلتي ، صورة رجل فاغر الفم متدلي اللسان يلهث ويلهث في غير انقطاع ، و
أنا بإزائه ، لا أحول نظري عنه ولا أفهم لم يلهث ؟ ولا أجروء على الدنو منه
!
صور من هذه شتى كانت ترتسم لخيالي الصغير : وكنت ألتذ التأمل
فيها ، و أشتاق قراءة القرآن من أجلها ، و أبحث عنها كلما قرأت في ثناياه .
تلك
أيام ... و لقد مضت بذكرياتها الحلوة ، وبخيالاتها الساذجة ، ثم تلتها
أيام ، ودخلت المعاهد العلمية ، فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير ، وسمعت
تفسيره من الأساتذة ، ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ
الجميل ، الذي كنت أجده في الطفولة والصبا ، واأسفاه ! لقد طمست كل معالم
الجمال فيه وخلا من اللذة والتشويق ، ترى هما قرآنان ؟ قرآن الطفولة العذب
الميسر المشوق ، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق ؟ أم أنها جناية الطريقة
المتبعة في التفسير ؟ وعدت إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير ،
وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب ، و أجد صوري المشوقة اللذيذة ، "إنها ليست
في سذاجتها التي كانت هناك ، لقد تغير فهمي لها ، فعدت الآن أجد مراميها و
أغراضها و أعرف أنها مثل يضرب ، لا حادث يقع ، ولكن سحرها ما يزال ،
وجاذبيتها ما تزال .
الحمد لله ، لقد وجدت القرآن !)
ثم
يستفيض الكاتب في شرحه كيف قام بوضع أساس هذا الكتاب حتى يقول : (
و
حين انتهيت من التحضير للبحث ، وجدتني أشهد في نفسي مولد القرآن من جديد ،
لقد وجدته كما لم أعهده من قبل أبدا ، لقد كان القرآن جميلا في نفسي ، نعم
، ولكن جماله كان أجزاء و تفاريق ، أما اليوم فهو عندي جملة موحدة ، تقوم
على قاعدة خاصة ، قاعدة فيها من التناسق العجيب ، ما لم أكن أحلم من قبل به
، و ما لا أظن أحدا تصوره ، فلئن كنت قد وفقت في نقل هذه الصورة كما أراها
في نفسي ، و في إبرازها للناس كما أحسها في ضميري ، فليكونن هذا، بلا شك ،
نجاحا كاملا لهذا الكتاب .
سيد قطب
**********************************************
ملحوظة
: حينما كنت صغيرة كنت أقرأ القرآن و أقرأ سورة العنكبوت و فهمت منها أن
البيت الذي يتواجد به العنكبوت وبيوته هو بيت واهن فكنت امسك بالفرشاة و
امسح الحوائط والأركان و أنا حزينة لان بيتي واهن طالما يوجد به عناكب و في
إحدى الايام تعجب والدي من الهاجس الذي لدى من العناكب معتقدا أني أخافها
ولهذا اقوم بإزالة بيوتها وحينما سمع مني تأويلي للآيات ضحك متعجبا و
افهمني أن المقصود هو تشبيه وليس المقصود ما فهمته ..سبحان الله ..
حينما
تقراوا القرآن اجعلوا خيالكم واسعا : تخيلوا صدقة صغيرة يضاعفها الله لمن
يشاء .تخيلوا جناته و ونعيمها وتخيلوا جهنم وعذابها ..أسال الله أن يعيذنا
من النار و أن يدخلنا الجنة مع الابرار إنه العزيز الغفار..
لتحميل
الكتاب
التصوير الفني في القرآن :
تحدث الشهيد السيد قطب عن
التفسير والمفسرين وعن الباحثين والمباحـث البـلاغية مع إبداء ما فيها من
قصور من وجهة نظره
http://www.mediafire.com/download.php?mdtneyunwgk