كم أَدْخلَتَ في دينِ الله بحسن خلقك؟
أكَّد الشيخ الدويش على
أهميةِ الأخلاقِ، مبيِّنًا أنها بمنزلةِ العمودِ الفِقَرِيّ في الحياةِ،
وبمثابةِ الأساسِ المتينِ لأيِّ قانونٍ ونظامٍ، وأيِّ حضارةٍ وشريعةٍ، وهي
دليلٌ على تقدُّمِ الشعوبِ، ورُقيِّها في سُلَّمِ الحضارةِ، بل هي وسيلةٌ
فعالةٌ وفنٌّ مهمٌّ لكسبِ القلوبِ والمعاملةِ حسنةِ والعِشرةِ الطيبةِ.
فالأخلاقِ الحسنةِ ليستْ مجردَ حليةٍ وزينةٍ فقط، بل هي أيضاً عبادةٌ
وقربةٌ،
وبيَّن فضيلته أنه
لا غنى عن هذه الأخلاق الحسنة في طريق السعي في تعديل وتغيير النظرة
السلبية عن الإسلام وأهله، إلى النظرة الصحيحة الإيجابية، فهي سبب رئيس في
إزالة تلك الحجب المصطنعة، والصورة المشوهة القبيحة التي تشكلت في العقل
الغربي منذ الحروب الصليبية، وبقيت في أفكارهم وبلغت أوجها في عصرنا هذا.
ووضَّح الدكتور الدويش أنَّ عرض الصورة الصحيحة للإسلام هو واجب الوقت وقضية
الساعة على كل مسلم ومسلمة لا تقبل التأخير والتأجيل ، ويجب أن يكون هدفًا
لكل مسلم ومسلمة؛ وإلا ستكون ذنوب الآلاف المؤلفة الذين غُرر بهم، وحشيت
أذهانهم وأدمغتهم بمعلومات لا أساس لها من الصحة عن الإسلام، فتكونت لديهم
صورة سيئة للغاية عنه وعن تعاليمه، وعن أهدافه ومقاصده، وعن المسلمين بصفة
عامة، أخشى أننا نتحمل تبعات إحجام هؤلاء عن الإسلام، وتصوراتهم السلبية
عنه وعن شرائعه الجميلة والإنسانية، بل وعدم رغبتهم بمجرد الاقتراب منه أو
الاطلاع عليه، وكلنا على قناعة تامة ويقين جازم أن الكثير منهم لو عرفوا
حقيقة الإسلام، واطلعوا على تعاليمه العظيمة عن قرب لأسلموا كما هو حال
كثير ممن دخلوا ويدخلون الآن في الإسلام عن طريق مكاتب دعوة الجاليات في
بلادنا، فهم عرفوا الإسلام عن قرب وبمخالطة أهله مباشرة حتى أصبحنا نسمع عن
المئات في الشهر الواحد ممن أسلموا، هذا بالرغم مما يشاهدونه وينتقدونه من
أخلاقياتنا وتعاملاتنا.
وعن استثمار عدم معارضة الإسلام للعقل السليم بيَّن فضيلة الشيخ الدويش أنَّ غير المسلمين عاش كثير منهم في بيئات ومجتمعات تقدس
العقل، وتعطيه المساحة الكبيرة من الحرية، وتُحَكِّمُه في كل الأمور، وهذا
جانب يمكن استثماره فيهم، ويجب علينا استخدامه كسلاح فاعل في دعوتهم
والتأثير عليهم، فلا تعارض بين العقل السليم والنقل الصحيح، بل بينهما
تناغم وتعانق وانسجام تام، كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه
الرائع: " موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول"، فكل ما في الشريعة من أحكام
وتشريعات وآداب، وأوامر ونواه..كل هذه الأمور منسجم ومتوافق تمامًا مع
العقول السليمة والفطر الصحيحة، ومن هنا جاءت تسمية الإسلام بأنه دين
الفطرة، وأنه دين كل مولود يولد على وجه هذه البسيطة، وأنهrمبعوث بالحنيفية السمحة، كما في الحديث المتفق عليه عن
أَبي هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى
الْفِطْرَةِ،(أي الإسلام) فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوَ يُنَصِّرَانِهِ
أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ،
هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ t:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}.قال الحافظ ابن حجر: "وَأَشْهَرُ الْأَقْوَال أَنَّ
الْمُرَاد بِالْفِطْرَةِ: الإِسْلام. . . " ففي دين الإسلام تجتمع جبلة
الفطرة وأمر الشارع، فما أحسن اجتماعهما! فيعمل المسلم بما فطره الله عليه،
فيؤجر على هذا العمل، سبحان الله! ما أعظم الإسلام وأسمى تشريعاته!
وأجَلَّ غاياته وأهدافه! لو فهمناه كما أراده الله:
مَا أَحْسَنَ الدِّينَ والدُّنْيَا إِذَا اجْتَمَعَا * وأَقْبَحَ الْكُفْرَ
والإِفْلاَسَ بِالرَّجُلِ
وبشَّر فضيلته
النَّاس بقوله سنكسب الجولة من البداية إذا استطعنا توصيل رسالة الإسلام
إلى القوم نقية صافية كما دعا إليها رسول الأنام عليه الصلاة والسلام، من
عقيدة وشرائع، وفضائل وقيم وأخلاق، والتي تنسجم مع الفطرة السليمة؛ ودلَّل
على هذا بموقف أعرابي فظ غليظ، لا يعرف الفلسفة اليونانية، ولا الطرق
الاستدلالية الكلامية، إلا أنه يملك الفطرة السليمة، فعندما سُئل: بم عرفتَ
أنَّ محمداً رسول الله؟ قال الأعرابي بفطرته البدوية الصافية: "ما أمر
بشيء فقال العقل: ليته ينهي عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته أمر به"
وهذا هو الاستدلال بالمسلك النوعي على نبوته r،
خرج من فِيِّ رجلٍ لم يثن ركبته في المدرسة يومًا...
وأكَّد أنَّ شواهد
التاريخ في هذا الباب كثيرة، فعدد كبير من عقلاء القوم دخلوا في الإسلام،
أو أنصفوه وأقروا بعبقرية نبي الإسلام، فهذا هرقل عظيم الروم عندما أراد
التثبت من صدقه e
استخدم عقله وبحث عن سيرتهr،
وسأل أبا سفيان- وهو حينئذ على دين قومه - عدة أسئلة استكشافية عن محمدr،
فكانت النتيجة: أن استنتج بعقله أنه نبي مرسل، ويستحيل في العقل أن يكون
كذابًا. . . فكان حواره حوارًا عقليًا منطقيًا مع زعيم المعارضين لمحمدe
آنذاك، الذي نقل الصورة عن الإسلام وعن نبيه كما هي- وفي هذا دليل واضح
وصريح على أننا لو استطعنا إيصال الصورة الحقيقية عن الإسلام وعن نبيه عليه
الصلاة والسلام إلى القوم لأثر على الكثير منهم، وجنبنا عداوة عدد آخر،
فهل من معتبر؟!
وتساءل الشيخ صراحة كيف
دعوة هؤلاء إلى الإسلام وجلُّهم لا يعرفون عن إسلامنا إلا كل سوء ومكروه؟!
وأنه دين دم وقتل، وإرهاب وتشدد، أو أنه دين إباحية ونساء وإسراف؟!! حقاً
إن من جهل شيئاً عاداه كما قال أكثم بن صيفي، فكيف ندعوهم وهم لا يرون إلا
الصورة المشوهة والمنفرة، و يحملون انطباعات سيئة عنا وعن ديننا؟!
ولَسْتَ براءٍ عَيْبَ ذِي الوُدِّ كُلَّهُ ... ولا بَعْضَ ما
فِيه إذا كنتَ راضِيا
فَعَيْنُ الرِّضا عن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ... ولكنَّ
عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَساوِيا
وعن دور المسلمين في تشويه صورة الإسلام في الغرب بيَّن فضيلته أنَّ
كثيرًا من صور ومواقف من أخلاقيات المسلمين ممن يعيش بين ظهرانيهم من سياح
أو مقيمين، أو تجار أو مبتعثين، تساهم في ترسيخ الصورة المشوهة عن الإسلام
والمسلمين، فمثلاً المسلمون في فرنسا يُمثلون أقل من عشرة في المائة من عدد
السكان، ومع ذلك تبلغ نسبة سجنائهم في سجون فرنسا سبعين في المئة من العدد
الإجمالي، وقد سجنوا في قضايا أخلاقية وجنائية ومالية؟!بل إن بعض الطلاب
المسلمين المبتعثين - مع الأسف - يقومون باستغلال القوانين المرنة للتهرب
من تسديد رسوم الخدمات والمخالفات ونحوها، وتقديم معلومات مضللة عن أسمائهم
وعناوينهم، والتحايل في التعاملات المالية والتجارية، والكذب وإخلاف
المواعيد وغير ذلك مما يراه ويعلمه كل من وطئت قدمه تلك البلاد؟! ناهيك عن
أخلاق البعض من السياح وتصرفاتهم، أو التجار وتحايلهم، فكيف يا ترى نُطالب
بدحض تلك الافتراءات على الإسلام وإزالة تلك الأباطيل من أذهانهم عن
المسلمين، فهم قد لا يرون غير هذه العينات الماثلة أمام أعينهم؟! فضلاً عما
يُرسخه الإعلام الصهيوني وحملاته الغاشمة الظالمة على الإسلام والمسلمين.
وقدَّم فضيلته أنجع
وسيلة لمحو تلك الصورة المشوهة للإسلام، فأكَّد أنه ليس هناك وسيلة أقوى
وأكثر تأثيرًا في هذا من ترجمة أخلاق الإسلام بالأفعال، وتطبيقها في الواقع
العملي، فلا شك أنه أوضح برهان وأبلغ وسيلة ليقف أولئك القوم على حقيقة
الإسلام وعظمته، وهذا ما فعله قدوتنا المصطفىr فقد كان يلازمُ الْخُلُقَ الحسنَ في سائرِ أحوالِه، حتى أصبح
ديدنهُ وهجيراه، وخاصَّةً في دعوتِهِ إلى الله تعالى، فأقبلَ الناسُ ودخلوا
في دينِ الله أفواجًا، بفضلِ الله - تعالى - ثم بفضلِ حُسنِ خُلُقِه عليه
الصَّلاةُ والسلام. ألم يقل عَبْد اللَّهِ بْن سَلَامٍ وهو يحكي أول كلمات
النبي r
عندما وطئت قدماه الشريفتان المدينة؟! قال عبد الله: (( ...فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ
رَسُولِ اللَّهِ r؛
عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ
شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (( أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا
السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ،
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ ))، فكم دَخَلَ في الإسلامِ بسببِ معاملته وخُلُقه العظيم r! . .
. ويقولُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ،بعد عفو النبي r عنه: ((جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ )). والأمثلة
كثيرة في سيرته r،
وقد بلغ من عناية النبيr
بهذا الأسلوب الأمثل للدعوة أنه كان يوصي به المبعوثين في كل مكان، كما
أخبر أبو مُوسَىt قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِr
إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: (( بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا
وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا )) . . .
وشواهد التاريخ كثيرة على هذا، ومنها ما رواه ابن إسحاق عن أم سلمة زوج
النبيr: أن قريشًا حين بلغها أنَّ النجاشي
ملك الحبشة قد أَمَّنَ المسلمين على دينهم، وأنهم صاروا فيها يعبدون الله
بسلام أرسلت بهدايا إلى النجاشي مع رجلين من قريش: عبد الله بن أبي ربيعة،
عمرو بن العاص فقدما على النجاشي بالهدايا، وطلبا منه أن يسلمهم المهاجرين
فأرسل النجاشي إلى أصحاب رسول اللهr فدعاهم وسألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم
تدخلوا في ديني ولا دين أحد من الملل؟ فكَلَّمَهُ ممثل المسلمين جَعْفَرُ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: "
أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا
قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ... حَتَّى بَعَثَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ
وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ
وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ
الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ... خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَآثَرْنَاكَ
عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لا
نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَقَالَ النجاشيُّ: هَلْ مَعَكَ
مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ:نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ
النَّجَاشِيُّ:فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ(كهيعص..)،فَبَكَى
النَّجَاشِيُّ حَتَّى وَاللهِ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ،وَبَكَتْ
أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى ... فَوَاللهِ لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا".
وأكَّد فضيلته على
براعة الإسلام في الدفاع عن قضيته بشرط أن نحسن التمثيل عنه، وأن يجد
المحامين الأكفاء يجيدون شرحه وبيانه، وأن يجد من يطبقه ويترجمه في أخلاقه
وتصرفاته.
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ
حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن
صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني ومنْكمْ
وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ
حَياتي
فلم يُؤت المسلمون لا في القديم ولا في الحديث من قبل
الإسلام، بل البعض من المسلمين سفراء سوء عن الإسلام، لم يحسنوا شرحه
وبيانه وتبليغه. بل ربما أساء إلى الإسلام وهو يدعي خدمته، ورفع كلمته،
فظلم هؤلاء أشد إيلامًا من غيرهم،
وظُلْمُ ذَوي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً *
على المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
لقد كانت وصيته صلي الله عليه وسلم
إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ: ((بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا،
وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا)) فهلا
أخذنا بوصيته، فواجبنا الشرعي: السعي في تعديل وتغيير النظرة السلبية
والمشوهة عن الإسلام وأهله، إلى النظرة الصحيحة الإيجابية، وخير سبيل لذلك:
روعة الأخلاق والمعاملة
http://www.islamsky.org/newsdetal.php?id=151